يُعَدّ علم التجويد من أشرف العلوم المرتبطة بكتاب الله تعالى، إذ يُعنَى بضبط مخارج الحروف وصفاتها على الوجه الذي نزل به القرآن الكريم، حتى يُتلى تلاوة صحيحة خالية من اللحن والتحريف.
ومن بين مباحث التجويد المهمة ما يُعرف بصفات الحروف، وهي السمات والخصائص الصوتية الملازمة لكل حرف. وتنقسم هذه الصفات إلى قسمين: صفات لها ضد، وصفات لا ضد لها.
ومن أبرز الصفات التي لا ضد لها صفتا الصَّفير والقلقلة، وهما من الصفات الصوتية الدقيقة التي تبرز جمالية الأداء القرآني، وتضبط مخارج الحروف عند النطق بها، مما يعكس أثر التجويد في تحسين التلاوة وحفظ المعاني.
الصفات التي لا ضد لها
الصفات التي لا ضد لها: الصفير والقلقلة في علم التجويد.
1. الصَّفير
صَفيرُها صَادٌ وزايٌ سينُ قَلْقَلَةٌ (قُطْبُ جَدٍ) واللِّينُ
اصطلاحًا
اصطلاحًا: هو حدة في صوت الحرف تنشأ عند مروره في مجرى ضيق.
حروفه
حروفه: الصاد والزاي والسين.
كيف تنطق بحروف الصفير؟
قال الإمام الجزري في باب المخارج: (والصفير مستكن.... منه ومن فوق الثنايا السفلى).
فعند النطق بحروف الصفير (الصاد والزاي والسين) يوضع رأس اللسان على أسفل الصفحة الداخلية للثنايا السفلى؛ فيكو ن المجرى الذي يمر منه الصوت ضيقًا من بين الثنايا العليا والسفلى فهذا الضيق يجعل للصوت حدة وارتفاعًا وهذا ما يسميه العلماء الصفير.
ما هي أقوى حروف الصفير؟
أقوى حروف الصفير: الصاد لما فيها من استعلاء وإطباق؛ ثم الزاي لما فيها من جهر ثم السين وهي أضعفها لاجتماع صفات الضعف فيها.
2. القلقلة
قَلْقَلَةٌ (قُطْبُ جَدٍ)
لغْة
لغْة: الحركة الاضطرابية. تقول العرب: تقلقلت القدر على النار (أي: اهتزت واضطربت). .
اصطلاحًا
اصطلاحًا: هي إخراج الحرف المقلقل؛ حالة سكونة، بالتباعد بين طرفي عضو النطق دون أن يصاحبه شائبة حركة من الحركات الثلاث.
حروفها
حروفها: خمسة يجمعها (قُطْبُ جَدٍ).
ما سبب القلقلة؟
اجتماع صفتي الجهر والشدة؛ فيمتنع جريان النفس وجريان الصوت؛ وللتخلص من هذه الصعوبة أخرج العرب هذه الحروف؛ حالة سكونها؛ بالتباعد بين طرفي عضو النطق (على خلاف الحروف الساكنة التي تخرج بالتصادم) دون أن يصاحب ذلك شائبة حركة من الحركات الثلاث؛ وسمي هذا بالقلقلة. فمثلًا:
- القاف: تخرج بالتباعد بين أقصى اللسان والحنك اللحمي ولا يبتعد الفكان.
- الباء: تخرج بالتباعد بين الشفتين ولا يبتعد الفكان.
- الجيم: تخرج بالتباعد بين وسط اللسان وما يحاذيه من الحنك الأعلى ولا يبتعد الفكان.
الفَرْقُ بين الساكن والمقلقل والمتحرك
* (الحركة في الفم) تعني:
- في المفتوح: انفتاح الفم.
- في المضموم: انضمام الشفتين.
- في المكسور: انخفاض الفك السفلي.
- أما في الساكن لا انفتاح في الفم ولا انضمام للشفتين ولا انخفاض في الفك السفلي» أي لا يصاحبه شيء.
س: هل تكون القلقلة على درجة واحدة عند أدائها؟
قال الناظم في (باب في ذكر بعض التنبيهات):
وَبَيِّنَنْ مُقَلْقِلاً إِنْ سَكَنا وَإِنْ يَكُنْ في الْوقْفِ كَانَ أَبْيَنا
مراتب القلقلة
للقلقلة مرتبتان:
1. كبرى
1. كبرى: عند الوقف على الحرف المقلقل؛ نحو:
(الْفَلَق)، (مُحيط)، (كَسَب)، (بَهيج)، (أَحد).
حروف القلقلة في أواخر هذه الكلمات كلها مخففة.
(حقّ)، (وتَبّ)، (الْحجّ)، (أشدّ).
أما حروف القلقلة في أواخر هذه الكلمات فكلها مشددة. وليس في القرآن طاء مشددة.
2. صغرى
2 صغرى: إذا كان الحرف المقلقل وسط الكلمة أو الكلام؛ نحو:
(يَقْضي)، (يُطْعِمُ)، (يُبْصِرُونَ)، (وتَجْعَلون)، (يَدْخُلونَ).
(لِيُنْفِقْ ذُو)، (ولاَ تُشْطِطْ واهْدِنا)، (فَانصَبْ وَإلَى)، (وَمَن يَخْرُجْ مِن)، (قَدْ أَفْلَحَ).
هدا شرح من باب صفات الحروف في شرح متن الجزرية.
تنبيهات
1. إذا أدغم حرف من حروف القلقلة في مثله أو مجانسه فلا يقلقل؛ إذ لو قلقل لانفك الإدغام نحو:
(حَقَّتْ)، (أَطَّلَعَ)، (أَحَطتُ)، (فَرَّطتُمْ).
2 نراعي التمييز بين المقلقل المخفف والمشدد:
(الْفََلق)، (الحَقّ)، (يَخْرُج)، (الْحَجّ)، (قَد)، (رَدّ)، (الْبَاب)، (الْجُبّ).
بإعطاء الحرف المشدد زمنه حيث أن الحرف المشدد مكون من حرفين؛ الأول ساكن والثاني متحرك.
3. عند الوقف على حرف قلقلة مشدد نحو:
(حَقّ)، (وَتَبّ)، (الْحَجّ)، (أَشَدّ).
فإن القلقلة تكون للثاني منهما: لأن الأول مدغم يخرج بالتصادم بين طرفي عضو النطق؛ وعليه؛ فلا أثر للتشديد على وضوح قلقلة المشدد؛ فالقلقلة في (الحَجّ) مثل القلقلة في (بَهيج).
4. لو مالت القلقلة إلى حركة من الحركات؛ قد تعطي معنى غير المراد؛ فمثلًا لو مالت إلى حركة الفتح؛ لحوّلت الفاعل إلى مفعول به كما في قوله تعالى: (لَقََدْ خَلَقْنا الْإنسَانَ) فإذا فتحت القاف من خلقنا صار المخلوق خالقًا، تجلّى سبحانه عن هذا المقام.
5. تتأثَّر القلقلة بصفات الحرف المقلقل فتكون مرققة مع المرقق؛ ومفخمة مع المفخَّم.
6. تراعى القلقلة في الكلمات الآتية: (رطْب) (الْعَبْد) (الذِّئْب) (الرَّهْبِ).
7. الحذر من قلقلة الضاد كما في (اضْرِب) (قَاضٍ).
أخطاء شائعة في نطق حروف القلقلة:
1 خلط صوتها بحركة من الحركات الثلاث؛ نحو:
(لَقَدْ كاَنَ) وليس (لقدِ كان)؛ (ابْراهِيمَ) وليس (ابَراهيم)؛ (تُْبتُمْ) وليس (تُبُتُم).
2. ختم صوتها بهمزة؛ وسببه: عند الوقف على (أَحَد) مثلًا؛ هو قفل الوترين الصوتيين بعد النطق بالدال فتخرج همزة ساكنة.
3. مط صوتها وتطويله عن حده؛ نحو (أَحََد) (الصَّمَد).
4. بتر الحرف المقلقل عما بعده أو تشديد حرف القلقلة قبل قلقلته.
ختاما
إن إدراك صفات الحروف، ولا سيما الصفات التي لا ضد لها كالصفير والقلقلة، يُعَدّ من الركائز الأساسية لتصحيح التلاوة وتحقيق الإتقان في قراءة القرآن الكريم. فهذه الصفات تمنح الحروف وضوحاً وقوة، وتُبرز شخصيتها الصوتية التي تميّزها عن غيرها.
وكلما اهتم القارئ بتعلمها وتطبيقها بدقة، ازداد قربه من الأداء الصحيح الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام. ومن هنا يظهر فضل التجويد وأثره العظيم في حفظ اللسان وصون كلام الله من التحريف.
شرفنا بوضع تعليقك هنا، وعند أي استفسار سيتم الرد عليك بأسرع وقت ممكن بإذن الله.